فصل: مسألة في السفيه يتزوج بمائة دينار، فيفرق وليه بينهما وقد دخل بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة تغر من نفسها بأنها حرة وهي أمة فتنكح وتلد ثم تُستحق:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن التي تغر من نفسها بأنها حرة، وهي أمة، فتنكح وتلد، ثم تُستحق فيدعي الناكح أنه ظن أنها حرة، أيصدق ويكون القول قوله؟ قال: نعم. وقاله أصبغ وهو على ذلك أبدا وعلى ما ادعى، ولا يكلف البينة أنه نكح على ذلك ولم يعلمه، حتى يأتي خلافه. والسيد ها هنا مدع فعليه البينة أنه أعلمه. وقال أصبغ: ويقوم الولد على الأب يوم يحكم عليه فيهم. قيل له: فما مات منهم قبل ذلك؟ قال: ليس فيهم شيء، وليس لسيد أمهم فيهم شيء. قيل له: فما قتل منهم فأخذ الأب ديتهم؟ قال: يكون عليه قيمته، وتكون له الدية، إلا أن تكون القيمة أكثر مما أخذ من الدية، فلا يكون عليه غير ذلك.
وقاله أصبغ: ولو أقر الأب أنه نكح على معرفة أنها أمة، والفاشي غير ذلك من أمرها أو أمر الأمة أنها غرت وادعت أنها حرة، والنكاح كان على ذلك بالسماع والمأخذ أو السبب أو الشك، لم يصدق الأب؛ لأنه يدفع عن نفسه الغرم، ويريد إرقاق الولد وهم أحرار. قال أصبغ: ولو قتلوا فأخذ الأب الدية فاستهلكها، ثم جاء السيد وهو عديم، ثم اتبعه بالقيمة، لم يكن له على غارم الدية إتباع؛ لأن الأب أخذها بوجه ما يجوز وبحكم حكم له به يوم أخذها وهذا رأيي.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة، فتُستحق، فيدعي أنه لم يعلم أنها أمة، وأنه ظن أنها حرة، إن القول قوله، وإن السيد مدعٍ عليه إن ادعى عليه أنه علم أنها أمة صحيح بَيّن؛ لأن نكاحه إياها بإذنها ورضاها شاهد على أنه إنما تزوجها على أنها حرة، زوَّجها منه رجل ادعى أنه وليها أو سيدها؛ لأن السيد لا يستأمِر أمته في النكاح، إذ له أن يكرهها على ذلك. وقول أصبغ: إن الأب لا يصدق أن امرأته علم أنها أمة، إذا كان الظاهر من أمره أنه تزوجها على أنها حرة صحيح، إذ ليس فداء ولده منها بقيمتهم حقا له، إن شاء أن يتركه تركه، وإنما هو حق عليه في مذهب مالك وجميع أصحابه وعامة العلماء، فيتهم على أن يسقط ذلك عن نفسه بإقراره. وقد كان القياس أن يكون الولد رقيقا لسيد الأمة؛ لإجماعهم على أن كل أمة تلد من غير سيدها، فولدها بمنزلتها، إلا أنهم تركوا القياس في هذا لإجماع الصحابة على أنهم أحرار وعلى أن على الأب قيمتهم، حاشا أبو ثور، وداود، فإنهما قالا: الأولاد رقيق على مقتضى القياس. وقوله: إن القيمة فيهم على الأب يوم الحكم، وإنه لا شيء عليه فيمن مات منهم قبل ذلك. وهو قول مالك في المدونة وجميع أصحابه، حاشا المغيرة وأشهب، فإنهما أوجبا على الأب قيمتهم يوم ولدوا، فلا تسقط القيمة عندهما بموت من مات منهم قبل الحكم والله أعلم. وقد مضى في سماع سحنون الحكم في غرور الزوج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تم كتاب النكاح الرابع.

.كتاب النكاح الخامس:

.أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها:

ومن كتاب النكاح:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل: أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها؟ قال: نعم ويعيد بها، لا بأس بذلك إجازة منه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا الدراوردي عن من حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أنه سئل عن التخير عند ذلك، فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم، فسئل أصبغ: أينظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطء؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، قيل له: إن قوما يذكرون كراهيته، فقال: من كرهه، إنما كرهه بالطب، لا بالعلم، لا بأس به وليس بمكروه.
قال محمد بن رشد: في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطء، قال: نعم، ويلحسه بلسانه. فطرح العتبي بلفظه: ويلحسه؛ لأنه استقبحه. وفي كتاب ابن المواز: ويلحسه بلسانه وهو أقبح، إلا أن العلماء يستجيزون مثل هذا إرادة البيان، ولئلا يحرم ما ليس بحرام، فإن كثيرا من العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من الأحوال. وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزا، وكذلك تكليم الرجل امرأته عند الوطء، لا إشكال في جوازه، ولا وجه لكراهيته. وأما الخبر عند ذلك فقبيح ليس من أفعال الناس، وترخيص ابن القاسم في ذلك لمن سأله عنه على معنى أن ذلك ليس بحرام والله أعلم.

.مسألة في السفيه يتزوج بمائة دينار، فيفرق وليه بينهما وقد دخل بها:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في السفيه يتزوج بمائة دينار، فيفرق وليه بينهما وقد دخل بها، إنه ينزع منها ما أعطاها، ويترك لها قدر ما تستحل به. قال أصبغ: وذلك ربع دينار في قولهم أدنى ما يتزوج به إذا كانت دنية. وأما من لها قدر فإن ابن القاسم قال: لها فيها في المسألة بعينها، لم يحد لنا مالك في ذلك حدا، إلا أني أرى في مثل هذا على قدر الاجتهاد من حالها وقدرها وموضعها. وقاله أصبغ، وتقاضى بما يدل على نحو ذلك مما هو دون صداق مثلها، وما لا يبلغه ولا يقاربه، فيكون صداقا تاما ولا مذهب صداق ثم تام.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: في ذات القدر إنه يترك لها من صداقها على قدر الاجتهاد في حالها وموضعها، ولم يحد في ذلك حدا، وله في المدنية أنه يترك لها من المائة ثلاثة دنانير، وأربعة، ونحو ذلك. وقال ابن نافع: يترك لها من المائة عشرة دنانير. ولابن الماجشون في الواضحة أنه لا يترك لها منه قليلا ولا كثيرا، وهو القياس، وما عداه استحسان. وأما السفيهة تتزوج بغير إذن وليها، فيفرق بينهما بعد الدخول، فإن لها جميع صداقها، لا يرد وليها منه شيئا. وروى ذلك عيسى عن ابن القاسم في المدنية. وقال ابن دينار: إنه يترك لها قدر ما استحل منها، وهو الأظهر؛ لأنها غارة.

.مسألة نصراني يعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته النصرانية لمسلم:

قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن نصراني، أيعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته النصرانية لمسلم؟ فقال: نعم، وهو أولى بذلك من غيره، وما له لا يعقده؟ وقاله أصبغ. ومثل ذلك إنكاح حكامهم وأساقفتهم إياهم وعقدهم للمسلمين، فذلك الذي لا كلام فيه إنهم يزوجونهن، فسواء زوجوا مسلما أو نصرانيا لأنهم ولاتهم، فالولي منهم دونهم أولى فالولاة أولى. قال أصبغ: وقد قلت لابن القاسم: فإن أرادت وليته هذه نكاح مسلم وأبى ذلك هو، أيجبر على ذلك، بكرا كانت أو ثيبا؟ وهو يأبى ذلك ويقول: لا أزوج للمسلمين؟ فقال: لا أرى أن يعرض لهم في ذلك وليردوا إلى أحكام دينهم وحكامهم. قال أصبغ: يعني فيزوجون إن رأوا ذلك، ويجوز. قال: فالولي إذا رضي بمنزلة ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: وهو أولى بذلك من غيره، يريد أن المسلم أولى بعقد نكاحها من ولاتها من النصراني، إذا لم يشاحوه في ذلك؛ لأنه أن يلي عقد النصرانية لمسلم مسلم، أحسن من أن يليه النصراني. وقوله في آخر المسألة: فالولي منهم دونهم أولى فالولاة أولى، يريد أن الولاة النصارى أحق بعقد نكاحها من المسلمين إن تشاحوا في ذلك وطلبوه، وهذا في أهل الجزية، فهذا وجه هذه الرواية، وتبين تأويلنا هذا قوله في آخر المسألة: فالولي إذا رضي بمنزلة ذلك يقول: فكما لا يكون للمسلم أن يتزوجها إلا برضى أهل دينها، فكذلك لا يكون للمسلم أن يعقد نكاحها إلا برضى أهل دينها وولاتها، يعني من أهل الجزية. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يخطب إليه القوم فيقول قد زوجت فلانا ثم ينكر بعد ذلك:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يخطب إليه القوم، فيقول: قد زوجت فلانا، ثم أنكر بعد ذلك وقال: لم أقل إلا لأدفعهم عن نفسي. قال: إن ادعى الذي أقر له وسمى أنه قد كان زوجه قبل ذلك، حلف على ذلك بالله لقد زوجه، وثبت له النكاح بالبينة التي قامت على إقراره له. وإن كان إنما يريد أن يأخذها بما سمع منه الخاطبون فقط، رأيت أن يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه إلا اعتذارا إليهم، وما زوجه، أي وما أراد به تزويجا موجبا له، ويكون القول قوله وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قال أصبغ ها هنا وروايته عن ابن القاسم مثل قول ابن كنانة في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، خلاف قوله فيه، إن النكاح للطالب واجب لا يبالي بأن ذلك كان طلبه بهذا القول أو بنكاح كان قبله؛ لأن النكاح لا لعب فيه ولا اعتذار، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وذهب ابن المواز إلى أن النكاح لا يلزم بهذا الإقرار ولا بدعوى متقدمة. وهي أشبه الأقوال الثلاثة وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر، فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله، أيعزل عنها زوجها؟ قال: نعم، أرى أن يعزل عنها إذا أقام هذا شاهدا واحدا إلى أن يستبين ذلك، إذا كان ما يدعي أمرا قريبا ولا يدعي شهادة بعيدة. وكذلك الجارية يدعيان الحرية إذا أقام شاهدا واحدا، ويدعيان مع ذلك أمرا قريبا، يعني فيوقفان على صاحبهما ويخرجان من يده إلى ذلك، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على معنى ما في المدونة من وجوبها توفيق العرض المدّعى فيه بالشاهد الواحد. ونص ما في كتاب ابن المواز والواضحة: قال عبد الملك في الواضحة: ولا يعزل بدعواه فقط حتى يقيم شاهدا عدلا. وقال محمد بن المواز: فإن لم يصح لهما شاهد آخر، وكان ذلك بعيدا، حلف السيد، ولا شيء على الزوجة وعلى الزوج. فأما قوله: إنه لا شيء على الزوج ولا على الزوجة صحيح؛ لأنهما لو أقرا له أو أحدهما بما ادعاه من النكاح، لم ينتفع بذلك، ولو لم تكن المرأة تحت زوج وادعى رجل نكاحها وهما طاريان، وعجز عن إثبات ذلك، لزمتهما اليمين؛ لأنها لو أقرت له بما ادعاه من النكاح، كانا زوجين. وقد قيل: إنه لا يمين عليها؛ لأنها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح. وهذا على الاختلاف في التي يزوجها وليها، فتنكر أن يكون ذلك بعلمها، إذ لا فرق بين المسألتين، لثبوت النكاح فيهما بإقرار الزوجة. وقد كان القياس إذا نكلت عن اليمين في المسألتين جميعا، أن يحلف الزوج، ويجب له النكاح، إلا أن ذلك لا يوجد لهم نصا. وقد ألزمها النكاح بالنكول في آخر سماع يحيى إذا كان سبب يدل على علمها به. وقد مضى القول على ذلك هناك. وأما قوله إذا حلف السيد فصحيح، على ما في المدونة وغيرها إذا كان ادعى على السيد أنه أعتقه وأقام على ذلك الشاهد. وأما إذا كان ادعى أنه حر من أصله، أو أن غيره أعتقه قبل أن يشتريه هو وأقام على ذلك شاهدا فلا يمين على الذي هو بيده، والواجب في ذلك أن يوقف عنه ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة ويؤجل في طلب شاهد آخر، الشهر والشهرين والثلاثة، على ما في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق. وإن أراد أن يذهب إلى موضع يمينه، كان له ذلك بعد أن يعطي حميلا بقيمته. قاله ابن القاسم في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وابن وهب في سماع يحيى من كتاب الشهادات، وفي توقيف غلته وخراجه إن كانت له غلة وخراج اختلاف. قيل: إنه يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه. وقيل: إنه لا يوقف ذلك إلا في حال الإعذار بعد ثبوت الحرية بشاهدين. وقيل: لا يوقف ذلك أصلا. والغلة للذي في يديه حتى يقضى عليه بحريته، والثلاثة أقوال قائمة من المدونة.

.مسألة ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة:

وسئل عن رجل ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة، هل يؤمر بالانتظار؟ قال: لا، إلا أن تكون بينة قريبة، ولا يضر ذلك بالمرأة، ويرى الإمام لِمَا ادعى وجها.
قلت: فإن عجز وجاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لم تنكح؟ قال: قد مضى الحكم.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يقبل منه بينة إن جاء بها بعد التعجيز، خلاف ما في سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، وخلاف ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب. وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز، إذا كان لذلك وجه. وقد قيل: إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز كان طالبا أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجز في أول قيامه، قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان. وفي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال، قبل هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام. وقيل: بل فيه وفيما بعده من الحكام. وهذا الاختلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والأعذار، وهو يدعي أن له حجة، فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه، فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه.

.مسألة يزوج ابنته فيقيم بعد ذلك حسبته:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يزوج ابنته فيقيم بعد ذلك، حسبته قال: سنة أو سنتين، ثم يظهر بها جذام فيزعم الزوج أنه كان بها يوم تزوجها، ويقول: غرتني، ويقول الأب: بل زوجتك صحيحة، القول قول من قال: القول قول الأب.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم التمرة من سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته وبالله التوفيق.

.مسألة يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا فيقول أشهدكم أن هذا عارية في يدها:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا، فيقول: أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي، ولم يروا البنت ولم تحضر، فطلب الأب المتاع والشورة بعد ذلك، فلم يقدر عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها، فقال: إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها، إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها، فهي ضامنة، إلا أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله تكون عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا شيء عليها أصلا وإن حسنت حالها، وإن كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له، وإن لم تعلم فلا ضمان على واحد منهما، البكر والثيب، فيما لم يعلم ولم يقبله على وجه العارية. وقاله أصبغ، ولا شيء على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيء من ذلك استهلاكا. وهذا فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لم تجهز به من صداقها ولا عطية أبيها لها، وقال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ويبعث إليها بحلي ومتاع، ويشهد أن ذلك عارية، ولا يعلم ذلك أولياؤها. قال: هو كذلك على ما أشهد عليه من ذلك، إن أدركه كان له، وإن تلف ولم يعلم ما أشهد عليه حتى تقبله على وجه العارية فلا ضمان عليها.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به الأب من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بإشهاده، ولم تقبله على وجه العارية، وأنه لا ضمان على الزوجة فيما بعث به الزوج إليها من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بذلك أيضا، ولم تقبله على وجه العارية صحيح، إذ ليس لواحد منهما أن يلزم أحدا ضمان ما لم يلتزم ضمانه، وحسبه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه وإن طال زمان ذلك عند الابنة، وذلك خلاف ما مضى لسحنون في سماعه. وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق.

.مسألة زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ثم ادعى بعض ما جهزها به:

قلت: فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين، ثم قام الأب فادعى بعض ما جهزها به، وزعم أنه إنما كان عارية منه ليجملها به وصدقته الابنة، أو أنكرت ما ادعى وزعمت أنه لها ومن جهازها؟ قال: القول قول الأب إذا قام بحدثان ما ابتنى الزوج بها، وليس للزوج مقال، والأب مصدق، ولا يلتفت إلى إنكار الابنة بذلك، ولا إلى إقرارها؛ لأن هذا من عمل الناس معروف، وذلك من شأنهم يستعيرون المتاع يتجملون به، ويكثرون بذلك الجهاز، إذا كان فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر، فإذا كان هذا فليس للزوج فيه مقال، وسواء كان ذلك المتاع معروفا أصله للأب أو غير معروف هو فيه مصدق، إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر.
قلت: فإن طال الزمان ثم قام الأب يدعي ذلك، وفيما بقي بعد ما ادعى وفاء بالمهر، وكان الأصل معروفا أو غير معروف، كانت الابنة مقرة أو منكرة، قال: إذا لم يعرف أصل المتاع وطالت حيازتها للمتاع الزمان الطويل، فإن للزوج في هذا مقالا، ولا أرى الأب فيه مصدقا إذا جاء مثل هذا من الطول والبعد، وأراه له بطول حيازتها.
قلت: فإن كانت مقرة بأن المتاع للأب ولم تنكر ما ادعى الأب من ذلك، قال: لا يجوز إقرارها إذا بلغ هذا الحد من الطول؛ لأن إقرارها هنا عطية متبداة، ولا يجوز إقرارها إذا أراد عليها ذلك زوجها، وإن كان فيما بقي بعد ذلك وفاء بالمهر.
قلت: فإن عرف أصل المتاع للأب؟ قال: عرف أصله أو لم يعرف، فطول حيازتها له هذا الزمان يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج أو المرأة.
قلت: فإن كان قيام الأب في ذلك بحدثان دخول زوجها بها، وكان أصل المتاع معروفا للأب، وليس فيما بقي من الجهاز ما فيه وفاء بالمهر؟ قال: فهو للأب إذا عرف أصله ويتبع الزوج الأب بوفاء الصداق حتى يتم له من الجهاز لابنته ما فيه وفاء ما أصدقها من المهر.
قال محمد بن رشد: قال: إن الأب مصدق فيما ادعى مما جهز به ابنته أنه كان عارية منه لها بشرطين: أحدهما أن يكون ذلك بحدثان البناء، والثاني أن يكون فيما بقي بعدما ادعى وفاء بالمهر، يريد أنه مصدق في ذلك مع يمينه، كذلك قال ابن حبيب، وزاد فقال: ولا أرى السنة فيه طولا. وهذا في الأب خاصة في ابنته البكر، وأما في الثيب، أو في وليته البكر، أو الثيب، فلا، وهو فيها كالأجنبي، وقاله بعض أصحاب مالك. فأما إيجابه اليمين في ذلك على الأب فصحيح، ولا يقال إن اليمين تسقط عنه من أجل أن الوالد لا يحلف لولده، إذ ليس ذلك عليه حكم باليمين، وإنما هو حكم لديه، إن شاء أن يأخذ ويحلف حلف وأخذ، وإن شاء أن يترك ترك، وإنما خص في ذلك الأب في البكر؛ لأنها في ولايته، ومالها في يده. فعلى قياس هذا، يكون في الثيب إذا كانت في ولايته، بمنزلته في البكر، ويكون الوصي فيمن إلى نظره في اليتامى الأبكار والثيب، بمنزلته فيها أيضا، ويحمل قوله: وأما في الثيب، أنه أراد بها الثيب التي لا ولاية له عليها. وقوله: فإذا كان هكذا، يريد إذا ادعى ذلك الأب بحدثان البناء، وفيما بقي وفاء بالمهر، فليس للزوج فيه مقال، كلام صحيح؛ لأنه إذا لم يكن فيما بقي وفاء بالمهر، فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به، بخلاف إذا عرف أصل المتاع له؛ لأنه إذا عرف أصل المتاع له، فيأخذه ويتبعه بوفاء المهر، إذ من حقه أن يجهز زوجته به إليه. وأما قوله إذا ادعى الأب ذلك بعد طول زمان، إن للزوج في ذلك مقالا وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا لم يعرف أصل المتاع للأب، مقرة كانت أو منكرة، وان طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج أو المرأة، ففيه نظر، إذ لا كلام للزوج فيما دون الثلث من مالها، إلا على وجه الحسبة، لكونها مولى عليها، لا تجوز عطيتها في شيء من مالها لأبيها ولا لغيره، فقوله: إن طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج، معناه إذا أنكر بالحسبة، إذ ليس له معنى ينكر له سوى ذلك. وفي قوله: إذا أنكر الزوج أو المرأة، دليل على أنهما لو لم ينكرا وسلما جميعا ورضيا لجاز ذلك للأب، وهو بعيد، إلا أنه دليل الخطاب. وقد اختلف في القول به، فلا ينبغي أن يعمل ها هنا. وفي الدمياطية لابن القاسم: إن الأب إنما يصدق فيما ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها، وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما تقدم في المسألة التي قبل هذه أنه مصدق إذا أشهد على العارية، وإن طال الأمر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر، وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر الوفاء به وبالله التوفيق.

.مسألة السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات أيتوارثان:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات، أيتوارثان؟ قال: إن مات هو فلا ترثه، وإن ماتت هي فالنظر إلى وليه إن رأى أن يثبت النكاح ويأخذ له الميراث أخذه، وإن رأى أن يرده رده وتركه. قال سحنون مثله، قال أصبغ: ثم سمعته بعد ذلك يقول في السفيه يتزوج ثم يموت، إنها لا ميراث لها منه إذا لم يكن وليه علم وينتزع منها جميع ما أعطاها، إلا قدر ما تستحل به، ربع دينار، إذا كان أصابها.
قال محمد بن رشد: قوله: سمعته بعد ذلك يقول، ليس بخلاف لما حكاه عنه أولا، وإنما فيه زيادة التكلم على حكم الصداق أنه يبطل كما يبطل الميراث، ولا يكون لها شيء إلا قدر ما تستحل به الفرج، إذا كان قد دخل بها. ووجه هذا القول: أن النظر في النكاح يرتفع بموت السفيه، ولا يرفع بموت الزوجة. فإذا مات هو لم يكن لها صداق ولا ميراث، لكون النكاح محمولا على الرد حتى يجاز، وإذا ماتت هي نظر له الولي فيما يرى له من الحظ في إجازة النكاح أو رده، إذ قد يكون الميراث أكثر من الصداق، فيكون الحظ له في إجازة النكاح. وقد يكون الصداق أكثر من الميراث، فيكون الحظ له في رد النكاح. وقد قيل: إن نكاح السفيه بغير إذن وليه محمول على الجواز حتى يرد، وقيل: إن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما، وقيل: إن النظر فيه قائم لا يرتفع بموت من مات منهما. فيتحصل على هذا في المسألة ثمانية أقوال: أحدها هذا وهو قول مطرف وابن الماجشون، وأبيه، وعبد العزيز بن أبي حازم. والثاني أنهما يتوارثان ويمضي الصداق على القول بأن النكاح محمول على الإجازة حتى يرد وأن النظر في النكاح يرتفع بموت من مات منهما. وهذا القول حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه. والثالث أنهما لا يتوارثان، ويبطل الصداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها منه قدر ما يستحل به الفرج، على القول بأن النكاح محمول على الرد يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما. وهو قول ابن القاسم في العشرة، والرابع أن الميراث بينهما ثابت مراعاة الاختلاف ويبطل الصداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به الفرج، على القول بأن النكاح محمول على الرد حتى يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما، وهو قول ابن القاسم في العشرة. والخامس أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف وينظر في النكاح، فإن كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي يوم وقع أجازه، كان لها الصداق، دخل أو لم يدخل. وإن كان على غير ذلك بطل الصداق إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به الفرج. وهو قول أصبغ في الخمسة. والسادس أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف، ويبطل الصداق إن كان الزوج هو الميت، وينظر في النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة، فإن كان نكاح غبطة كان لها الصداق، وإن لم يكن نكاح غبطة بطل الصداق، إلا أن يكون كان الزوج قد دخل، فيكون لها قدر ما يستحل به الفرج. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الرد حتى يجاز، وأن النظر في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والسابع أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف، ويثبت الصداق إن كان الزوج هو الميت، وينظر في النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة على ما ذكرناه في القول الذي قبل هذا. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الجواز حتى يرد، وأن النظر في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والثامن أنه ينظر في النكاح، فإن كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي أجازه، كان الميراث بينهما، ووجب لها الصداق. وإن كان على غير ذلك لم يكن بينهما ميراث، ولا كان لها صداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به وبالله التوفيق.

.مسألة يتزوج المرأة بعبد غائب:

قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يتزوج المرأة بعبد غائب قال: لا بأس به. وإن كانت غيبة بعيدة، وإن كان لا يدخل بها، وهي مثل الاشتراء لا بأس أن يشتريه إن كانت غيبة بعيدة. وإن كانت غيبة العبد قريبة في الذي تزوجت به فلا بأس أن يدخل بها مثل الاشتراء أيضا. وإن أصيب العبد فلها قيمته، قال: وإن لم تعلم المرأة العبد ولم يوصف لها فلا ينبغي التزويج على ذلك، كما لا ينبغي اشتراء عبد آبق، ولا بعير شارد، ولا شيء غائب غير موصوف، فإن وقع النكاح على ذلك فسخ، إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها كان لها صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: أجرى ابن القاسم النكاح بالعبد الغائب مجرى البيع في جميع الأحوال، فقال: إنه لا بأس أن يتزوج به وإن كانت غيبة بعيدة، يريد: ما لم يتفاحش بعد ذلك، وقد اختلف في حد ذلك، فحكى الفضل عن أصبغ أنه أجازه فيما بين إفريقية والمدينة، وأراه غلطا؛ لأن الذي حكى عليه ابن مزين، أنه إنما يجوز في مثل ما بين المدينة ومصر، وفيما بين مصر وإفريقية، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وزاد قال: وعلى مسيرة العشرين والشهر ونحوه. ولم يجز ابن القاسم أن يدخل بها في الغيبة البعيدة، كما لا يجوز النقد فيه. وقد أجاز أن يدخل بها في القريب الغيبة، كما لا يجوز النقد فيه. وحد القرب على ظاهر قوله إذا قاسه على الشهر اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك. وقال أصبغ: الأربعة والخمسة. وأجاز ابن حبيب للزوج أن يدخل بها في البعيد الغيبة، إلا أنه استحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها قبل قبضها الرقيق الغائبة، ففرق بين الدخول في النكاح، والنقد في البيع. وقوله: فإن أصيب العبد فلها قيمته، يريد في القريب الغيبة والبعيد، على ما اختاره من قول مالك، في أن المصيبة في الغائب الذي يشترى على الصفة من البائع حتى يقبضه المتاع، قربت غيبته أو بعدت. وقوله: إن لها قيمته، على أصله في أن الصداق إذا استحق وكان عرضا أن لها أن ترجع بقيمته. وعلى ما في رسم الطلاق من سماع أشهب، يكون لها صداق مثلها، إذ لا فرق بين المسألتين. وقد مضى القول على ذلك هنالك. وفي العشرة ليحيى أن المصيبة من المرأة بالعقد في النكاح، بخلاف البيوع. وزاد: ولو ماتوا قبل النكاح لا يفسخ النكاح، فيلزم على قياس قوله: إذا استحق الصداق وهو عرض قبل الدخول أن يفسخ النكاح، وكذلك إذا مات العبد الغائب المتزوج به بعد العقد وقبل القبض على القول بأن المصيبة من الزوج وبالله التوفيق. وأما إذا لم تعرف المرأة العبد ولم يوصف لها فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد، قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل وبالله التوفيق.

.مسألة اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض:

وقال: في اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض وجرت عليها المواسي وشارفت الحيض فأنكحت برضاها فذلك جائز، وقاله أصبغ: حسن.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، وتحصيل القول عليها في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك أيضا في سماع ابن القاسم وأشهب وفي سماع عيسى.

.مسألة تزوج امرأة بكرا فدخل عليها فافتضها بأصبعه ثم طلقها:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل تزوج امرأة بكرا فدخل عليها فافتضها بأصبعه، ثم طلقها، أترى أن يكون لها الصداق كاملا لأنه قد فعل ذلك على وجه النكاح؟ قال: نعم، وليس بمنزلة الأجنبي يفعل ذلك بها، أرى في الأجنبي أن يكون عليه بقدر ما شانها. أصبغ: إن قيل هذا على الاستحسان فعسى، وإنه لضعيف، والقياس أنه وغيره بالأصبع سواء. وهو رأيي لا أرى غرم ذلك عليه واجبا، ولها نصف الصداق.
قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم في سماع سحنون مثل قول أصبغ ها هنا، ومضى القول على المسألة هناك، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.